التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في سويعة كانت رحلة إلى الجنة..مدونة الاديب وليد الهودلي


 
( في سويعة كانت رحلة إلى الجنة)

كان لي شرف الحضور في حضرة صاحب القلب الجميل الدكتور محمد متولي عندما ختم بنا القران الكريم في صلاة العشاء لهذا اليوم.

لم يكن حدثا عاديّا ولا لقاء فنيّا استمعنا فيه لأمسية فنيّة ترنّمت بها قلوبنا وارتعش لها وجداننا ورقصت فيها مشاعرنا رقصتها المفضّلة، لا لم يكن الامر كذلك، بل هو التحليق عاليا بكلّ مكنوناتنا في سماء لا يعرفها إلا من ذاق حلاوة الايمان ، وجرّبت أوتار قلبه ان تستضيف هذا الصوت الذي عاش القرآن ردحا من الزمن، ثم عاد إلى قومه محمّلا بكنوز فاض بها قلبه على من صلّى خلفه ممّن تهيات قلوبهم للحفاوة بهذا الضيف الكريم.

لم يكن جمال الصوت بموسيقى ظاهرة فحسب، بل حمل في أحشائه خشية مؤثّرة وتعظيما مزلزلا ومحبّة مطمئنة، سكبت رحيقا أنعش صدرا، روى قلبا، وزكّى نفسا، وكان في كلّ حرف سرّ، وفي كلّ كلمة نهر، ومع كلّ آية بحر، في أعماقه اللؤلؤ والمرجان، وكان بمجموعها تيّارا دافئا رقراقا يجتاحنا بحلاوة ورقّة وجلال.

زرع في قلوبنا خاتمة كتاب الله بسوره الثلاث، كل واحدة كشجرة باسقة ينهمر منها أحلى الثمر، فثمرات التوحيد، حرية وسيادة وتطهير، ليكون القلب كلّه لله، فلا تدع منه ذرّة لغير الله، فالله أحد تحرّرنا مما سواه.

ثم اخذ بيد قلوبنا لتلوذ وتستجير برب الفلق وربّ الناس وملك الناس وإله الناس من كل شرّ فتحظى بالحماية التامّة من شرّ الحسّاد والبغاة، وشرّ كلّ من يريد لنا شرّا حتى الوسواس صغيره وكبيره، من إنسه وجنّه.

ومرّ بنا الشيخ بحديقة غنيّة ثريّة، فاتحة الكتاب التي يثوّر الشيخ معانيها التي تنوء عن حملها سبعين بعيرا كما قال عنها فارس العلم والميدان عليّ كرّم الله وجهه، توقّفنا عند الثناء الكامل على ربنا الذي يستحق كلّ الثناء، ونهلنا من مصادر الرحمة الجاهزة لينشرها الله لعباده، وأوقفنا على يوم الحساب حيث تتطلّب النجاة الاستعانة بالله على العبادة ، ولنهيأ نفوسنا أن تسير على الصراط المستقيم، ذلك بالانحياز التام لله والمؤمنين من الذين أنعم الله عليهم، والبراءة التامّة من المغضوب عليهم والضالين، وكان لنا ونحن نستعين بالله أن نتحرّر من أيّ شعوربالاستضعاف وفي ذات الوقت نتحرّر من أيّ شعوربالاستكبار ونحن في حضرة: إياك نعبد، وكذلك ان نتحرر بها من الرياء والكبرياء لنكون متواضعين مخلصين له الدين، ومن هناك ذهب بنا إلى ينابيع الهداية التامّة للفرد ليتحقق من المحبة الكاملة التي تنتج الطاعة الكاملة، وعلى صعيد الامّة كي تكون عزيزة كريمة ذات سيادة كاملة وصلاح كامل على صراط الله المستقيم.

ثم اخذ بأيدقلوبنا إلى بداية سورة البقرة لتكتمل حلقة الختمة من النهاية الى البداية الجديدة، وكاننا بذلك نتعاهد ديمومة السير في منازل القرآن، وأن لا مناص لتحقيق سعادتنا من ان نبقى في فلك القرآن وبان لا نحيد عنه قيد أنملة، وهذا هو دأب المتقين، مقيمي الصلاة، المؤمنين بالغيب المنفقين مما رزقهم الله الموقنين بالاخرة، عرفوا كيف يصلون دار الفناء بدار القرار فكانوا على هدى من ربّهم وكانوا هم اهل الفلاح والفوز والنجاح.

ويستمر الشيخ بنا في طريق الفلاح بتوجه القلب بعظيم الثناء والحمد لرب يستحق الثناء، ثناء كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وفي هذا استمرار في تحرير النفس من الخضوع للعبيد وتوجيه المدح والثناء أو طلب العون من أيّ كان غير الله ، ومن هنا انطلق بدعائه الطويل الشامل لكلّ ما نتمنّى ونرجو إلى من يُرجى عطاؤه ولا حدود لكرمه وجوده، يمرّ الشيخ ببعض ما ورد في القرآن من أدعية علّمنا إياها ربّ العزّة، وما يشمل سعادة الدنيا والاخرة. دعاء نجد فيه راحة قلوبنا ونرفع بها سقف آمالنا، نشعر ببرد اليقين وحلاوة الاستجابة ونعلّق رجاءنا بمعين رحمة لا حدود لها ولا تنقص أبدا ولو وقف كل الناس في صعيد واحد واعطى الله كل سائل مسألته.

هنا ندعوا بالقران وبعد أن وفقنا الله للسير في دروبه العظيمة، وبعد ان أحسسنا بأعماق قلوبنا ببركة القرآن وروحه العالية الرفيعة. وكم كنّا في ميادين الدعاء نشعر بالقريب المجيب، قربا لا قرب مثله واستجابة لا مثيل لها، شعرنا بيد الله الحانية وهي تمسح قلبونا بيقين تامّ منبعه: ( وإذا سألك عبادي فإنّي قريب) وهذا وعد من الله، ومع القرب أيضا روعة الاجابة (أجيب دعوة الداع إذا دعان)، إنها جنّة الدعاء التي يرتع فيها المؤمن في دنياه، كم كنّا قريبين من مولانا وكم لامسنا همومنا وقضايانا التي لا نرجو دعما وسندا وحلّا لها من سواه. 

هنا قادنا الشيخ ببراعة وبدقّة القول وأجمله الى حيث مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه:

" أنا لا أحمل همّ الاجابة وإنما أحمل هم الدعاء فإن ألهمني الله الدعاء كانت الاجابة معه"

الى حياض اليقين ومنابع الرحمة كان لمسجد العين أن يشقّ عنان السماء، وكان لهذا الشيخ الطبيب الفذّ أن يقود هذا الركب.

سرعان ما انتهت الرحلة، نظرت الى وجوه جموع المصلّين لأرى، هل أصابهم ما أصابني؟ وجدت وجوها مشرقة وعيونا مشعّة خاشعة، وكانهم كانوا في مفاعل لتخصيب التقوى والايمان وحلاوة محبّة الله والقرب منه. رأيت وجوها ملائكية ناضرة مسفرة ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود).

تعليقات