التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هكذا يجمعنا رمضان وتفرّقنا العصبيات ؟! ( نبضات ساخنة 335 )

 هكذا يجمعنا رمضان وتفرّقنا العصبيات ؟!

تتجلّى رسائل رمضان في سماء أمّة رمضان، وتحفر عميقا في قلب هذه الامّة لتفعل فعلها العظيم، رمضان له عدة أبعاد إذ لا يعقل أن نُفرّغ أمعاءنا من الطعام وتبقى الأحقاد والعصبيّات معشعشة في القلوب والعقول، لا يمكن أن نصوم عن الحلال بينما نحن نرتع في كلّ أشكال الحرام، فكما أنّ له صقلا تربويا خاصا لنفوس الصائمين له جولات وجولات في كل الميادين..

 له مظهر اجتماعي يأخذنا إلى طبقة الفقراء الذين ينتظرون رمضان على أحرّ من الجمر، يأتي رمضان ليسدّ حاجة الفقراء فما بال أوضاع تسيطر فيها نخبة لا تزيد عن خمسة بالمائة على أكثر من خمس وتسعين بالمائة بينما يترك الخمس وتسعين بالمائة من الناس ليتقاسموا الخمسة بالمائة ( فتات الأغنياء). وله مظهر اقتصاديّ يأخذنا إلى أسواق وتجار وحركة اقتصادية تنشط بقدوم رمضان، كما ينبغي أن يكون له حضور قويّ وفاعل في المظهر السياسي لامة رمضان، إذ لا يُعقل أن تجتمع الامة على شعائر تُجرّد المسلم من هواه بينما قادة الامة لا تُسيّرهم الا أهواءهم القاصرة والمنحرفة والتابعة، الصيام يجمعنا على أفعال ومشاعر وأحوال ذات هويّة ثقافية وسياسية مستقلة حرّة متميّزة عن غيرها بينما واقع الحال أنّ شعوبنا تجد نفسها خلف قادة يدورون في فلك من لا يعرفون رمضان ولا مشاعر الايمان ولا أفكار الإسلام.

والذي يضرب هذه التجليات العالية والتطبيقات الشاملة لمعاني رمضان السامية في كل الميادين هو نفر من الناس لا يرون هذا الأفق العظيم لتجليات رمضان، لا يرون المشاعر الإيجابية الهائلة التي يضخّها رمضان في كل ربوع الإسلام والمسلمين، ينظرون من خرم إبرة العصبية البلهاء، منها مثلا من يفتعلون معارك وهمية بين شعب عربي او مسلم وأخر، فمهما كانت الأسباب والمبرّرات لهذه الحروب الوهمية الطاحنة خاصة تلك التي تستفيد من سطوة وسرعة الانتشار لمواقع التواصل الاجتماعي ووجود جمهور افتراضي واسع ممكن اللعب على عواطفه وإثارة حميّته والضرب على وتر عصبيته العمياء. مهما كانت الأسباب فهي واهية باطلة إذا وقفت أمام نور رمضان الذي يبدّد كلّ هذا الظلام.

رمضان رزمة متكاملة تقف على رأسها إقامة حياة التقوى، الأمة التي ترتفع فيها قيم التقوى فيها عالية وقوية ومسيطرة، وبالتالي تتحرّر من كل النزعات والتقاليد والأفكار والمشاعر والمسلكيّات التي تتنافر مع حياة التقوى، لا يمكن لمجتمعات تتنفّس هواء التقوى النقيّ ان تسمح لأي كان أن يلوّث هواءها ويعبث في جماليات التقوى التي ينتشر أريجها في صدور أتباعها. فرمضان هو شهر تعزيز وزراعة قيم التقوى وهذا الميزان القويم : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم" ، فلا مكان لمن يروّج قيم العصبيات الجاهلية وينشر طاقتها السلبية التي تدمّر الروابط وتقطّع أوصال الجسد الواحد القوي المتماسك، الاكرم في مجتمع رمضان من جعل من نفسه مصدرا لقيم التقوى فهما وسلوكا وجعلها واقعا في حياته.

وعلى سبيل المثال لا الحصر: تنتشر دعاية وتجد لها من يروّجها تحت شعار "فلسطين ليست قضيّتي"، أتفهّم أن هذا جاء كردّة فعل على من هاجم توجهات سياسية من قبل جهات معيّنة، فاختلط الحابل بالنابل ليتعصّب هذا ضد ذاك في حلقة مفرغة من الردود العصبية المتبادلة، ليقع الجميع في نخوات عصبية سوداء لا نتاج لها الا التباعد والتنافر وخدمة أعداء الأمّة. وهذا بالطبع أيضا لا يخفى على أحد أنه ضرب لمفهوم الامة الواحدة وضرب لقيم التقوى التي يأتي شهر رمضان ليزرعها ويعمّق وجودها في المجتمعات المسلمة.

·       يجمعنا رمضان على مشاعر إيمانيّة موحّدة لمواجهة الضعف الاجتماعي والتخلّف الاقتصادي والهوان السياسي، بينما هذه العصبيات تشتتنا اجتماعيا وتزيد من تخلفنا الاقتصادي وهواننا السياسي بكل ما أوتيت من قوة وريح نتنة سوداء.

·       يجمعنا رمضان على مصدر واحد للنور والخير والسعادة والتطوّر والصعود الحضاري والمجد والعزّة والنصر وهو القران الكريم لان رمضان شهر القران ، بينما العصبيّات تطمس على وجوهنا وتضعنا في غابة هوجاء لا نور فيها ولا توجهات حكيمة وصائبة، فمن الغريب أن تجد من لا يملكون هذا النور السماويّ موحدين رغم كل عصبياتهم التي لا حصر لها، بينما من يملكون كلّ هذا النور متشرذمين متفرقين.

·   
   
يجمعنا رمضان في حرب ضروس على الشهوات والاهواء بينما تستنفر العصبيات فينا هذه الاهواء وتنجح في ضرب قيم الايمان وتجنيد بعضنا ضد بعض على أسخف الأسباب والمبرّرات.

·       يجمعنا رمضان على مواجهة الفقر وتجنيد ثروات الأغنياء لإسعاف حاجة المسحوقين والضعفاء، فنجد أصحاب هذه الثروات( الا ما رحم الله) حيتان تبتلع الفرص والإمكانات ولا تدع للمسحوقين الا الفتات وما تجود به نفوسهم وقت الازمات رغم أنهم هم السبب في هذه الأوضاع.

·       يجمعنا رمضان على المصالح العامة ويضيّق الخناق على المصالح الانانية الضيّقة والروح السلبية النتنة بينما تنفخ العصبيات فينا كل جشعنا وسطوة روحها السوداء المدمّرة سواء كانت إثنية أو طائفية أو حزبية أو عشائرية ... الخ.

يجمعنا رمضان ويجمعنا بينما العصبيات لا تبقي فينا ما فيه خير ينتظر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علو ورفع الهمةج2

خطبة الجمعة علو الهمة 2

ليل غزة الفسفوري ..مدونة وليد الهودلي

  حين يكتب الهودلي لغزة تحت نيران الغزاة، فإنه يتطهر بالرصاص   المصبوب  كانت روحه هناك تتمثل أصوات القصف على قلوب الأطفال  كان يريد أن يرفع كفيه إلى سماء غزة ليكف شر المغيرين، طائراتهم المعبأة بالحقد والبترول العربي كانت تشق سماء المعتقل في بئر السبع، قبل توغلها وتغوّلها على ليل غزة، القلم يكتب والشفاه تتمتم بالدعاء  والله - سبحانه - يستجيب لقلب لا يكفّ عن الوجيب حدث ذلك عام 2008  .    اضغط هنا

الشيخ أحمد ياسين :شيخ الدعوة وشيخ السياسة ..

الشهيدالشيخ احمد ياسين            هناك من يتقن الدعوة والتنظير الى الفكرة التي يؤمن بها ولكنه في معترك الواقع والولوج الى ميدان فن الممكن والسياسة وفق تقديراتها ومآلاتها وتقدير مصالح الناس وامكانات الوصول للاهداف واحالة الشعار الى حلول ونجاحات يجد نفسه في عالم أخر لا يتقن فنونه ، اطلاق الشعار لا يحتاج الا الى مهارة لغوية سجعية وصوت رنان ، بينما احالته الى أن يصبح واقعا ملموسا فيحتاج الى قيادة رشيدة حكيمة ذات خبرة غزيرة وتأهيل عال ، تجيد رسم الخطط والبرامج وقادرة على تسخير الامكانات وتوظيف القدرات والمثابرة والجلد ... الخ . كيف بنا اذا كانت المبادىء المطروحة والشعارات كبيرة لأنها سماوية تريد إقامة رسالة السماء في الارض في ظروف وملابسات قاسية وبالغة التعقيد ؟؟ واذا نظرنا الى معادلة الدين والسياسة فهناك من يملك ناصية العلم والفقه الديني العميق ، ولكن هذا غير كاف إذ لا بد من أن يكون رصيده واسعا في فهم الواقع وفك رموز تعقيداته والقدرة على التوصيف والتحليل والوصول الى التشخيص الموضوعي الصحيح   ، ثم بعد ذلك تأتي القدرة على تفعيل النص الديني في الواقع بطريق...