التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ام حافظ فراج تسافر من المدينة الى المخيم وشتات السجون الى لقاء ربها؟ ( نبضات ساخنة 220 )

 ام حافظ فراج تسافر من المدينة الى المخيم وشتات السجون الى لقاء ربها؟

قبل يومين كانت آخر نبضاتها في هذه الحياة، دارت عيناها على أبنائها في نظرة وداع أخيرة ولما لم تجد عبد الرازق ذرفت دمعة ساخنة، رأته وقد رسم شبك الزيارة مربعاته على وجهه، ثم رأته وقد غيّب أنفاسه عنها لوحا زجاجيا باردا لا يفقه لغة القلوب، ومرّ شريط الذكريات عندما كانت تحضنه بين حبسة وأخرى، يُغيّبونه في غياهب سجونهم السنة تلو الاخرى وقد اعتادت أن تقتات من أمل افراج ولقاء قادم، اليوم تغيب هي دون أن تكحّل عينيها برؤيته ويتلاشى أمل اللقاء في هذه الحياة، عندما يخرج عبد الرازق هذه المرة لن يجد روحه الكبيرة، يعود الغصن فلا يجد الشجرة التي اعتاد أن يأتي الى حضنها بعد سفره الشاق الطويل.

استقرّ مقامها في مخيم الجلزون بعد عملية تطهير عرقي وتهجير قسري لشعب قام بها أعتى أعداء البشرية، كانت جريمة ضربت ريعان حياتها بقسوة بالغة، ابنة مدينة اللد الوادعة في حضن الساحل الفلسطيني والتي يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان، عاشت طفولة هانئة طيبة في ربوع مدينة لا ينقصها شيء، ترتع وتلعب وتنعم بدلال ورغد، ومدينة اللد بالذات تمتاز صغيراتها بدلالها الخاص، حياة مرفهة تختلف كثيرا عن حياة القرى وشظف فلاحة الارض فتنشأ وتترعرع البنت في وسط حفاوة جميلة وسعادة لا ينافسهن فيها أحد.

فجأة وجدت نفسها على مهب ريح حياة البؤس والشقاء، وجدت نفسها مطرودة من مدينتها الجميلة الى حيث حياة الخيام التي تلعب بها عواصف الشتاء ويذيقها الصيف لهيبه الحارّ، حياة بلا مأوى ولا مطعم ولا رعاية الا ما يبقيهم على قيد الحياة وفوق كل هذا عصا الاحتلال التي راحت تطاردهم حتى في هذه المخيمات. ومن لا شيء استطاعت أن تدبّر الامر وتصنع كلّ شيء لضمان استمرارية الحياة واثبات الصمود والتحدي وأن على هذه الارض من هو أحق من المحتلّ في استحقاقه في العيش عليها. نجحت في تعمير بيت والاستمرار في تزويد الحياة الفلسطينية بابناء نوعيين في عطائهم وحفظهم لرسالة الوطن الذبيح، استثمرت في التعليم وثابرت حتى أخرجت من رحم معاناتها الكفاءات العلمية المميزة.

وكان من أهم هذه الكفاءات ما جعلت منه وقودا لحركة النضال الفلسطينية، ابنها عبد الرازق الذي كان أسير فلسطين الذي أغاظ المحتل مرارا ودفع الثمن باهظا من عمره حيث أخذت السجون أكثر من شطره، انقض الاحتلال على عمره فقطّعه ما بين سجن وآخر، كانت اعتقالاته الادارية من أطول السنين حبسا حيث بلغت التجديدات الادارية في احداها خمس سنوات، وهو الان في حبسة تناوشته فيها أساليب تعذيبهم السادية في تحقيق عسكري مريع لم يراعوا فيه سنه ولا مرضه ولا أي حق من حقوق الانسان التي ما فتئوا يتشدقون بها.

أمه رحمها الله كانت دائما السند والروح العالية التي ترفرف روحه في سمائها، لم تتوانى لحظة عن تجرّع ويلات السفر الى سجونهم البعيدة، نذرت نفسها لخيار ولدها المقاوم، تبادلت معه الفخر والاعتزاز بحياة النضال وسارت في هذا الدرب دون كلل أو ملل، كانت تأتيه منهكة قد أعياها السفر الطويل وحواجزهم اللعينة وتفتيشاتهم المذلة واجراءاتهم المقيتة، ترفع رأسها به شامخة فلا تبدي له الا قوة روحها وشموخ عزيمها ، تتعالى على الجراح وتعلو بسمتها الجميلة فوق كل الالام.

لقد قضت نحبها شهيدة للحرية وشاهدة على جريمة الاحتلال الفاشية ، صابرة منافحة مناضلة، تنشد نشيد الحرية وتعلن أن العودة قادمة الى حيث اللد المدينة المحررة وعودة الحقوق لأصحابها، تعلن أن فلسطين هي فلسطين واللد وعكا وحيفا ويافا وعسقلان وبئر السبع تماما مع رام الله والخليل وجنين نابلس، هي سواء مدنا فلسطينية خالصة مخلصة من هذا العدو المارق الذي لا جذور ولا مستقبل له في بلادنا أبدا.                   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علو ورفع الهمةج2

خطبة الجمعة علو الهمة 2

ليل غزة الفسفوري ..مدونة وليد الهودلي

  حين يكتب الهودلي لغزة تحت نيران الغزاة، فإنه يتطهر بالرصاص   المصبوب  كانت روحه هناك تتمثل أصوات القصف على قلوب الأطفال  كان يريد أن يرفع كفيه إلى سماء غزة ليكف شر المغيرين، طائراتهم المعبأة بالحقد والبترول العربي كانت تشق سماء المعتقل في بئر السبع، قبل توغلها وتغوّلها على ليل غزة، القلم يكتب والشفاه تتمتم بالدعاء  والله - سبحانه - يستجيب لقلب لا يكفّ عن الوجيب حدث ذلك عام 2008  .    اضغط هنا

الشيخ أحمد ياسين :شيخ الدعوة وشيخ السياسة ..

الشهيدالشيخ احمد ياسين            هناك من يتقن الدعوة والتنظير الى الفكرة التي يؤمن بها ولكنه في معترك الواقع والولوج الى ميدان فن الممكن والسياسة وفق تقديراتها ومآلاتها وتقدير مصالح الناس وامكانات الوصول للاهداف واحالة الشعار الى حلول ونجاحات يجد نفسه في عالم أخر لا يتقن فنونه ، اطلاق الشعار لا يحتاج الا الى مهارة لغوية سجعية وصوت رنان ، بينما احالته الى أن يصبح واقعا ملموسا فيحتاج الى قيادة رشيدة حكيمة ذات خبرة غزيرة وتأهيل عال ، تجيد رسم الخطط والبرامج وقادرة على تسخير الامكانات وتوظيف القدرات والمثابرة والجلد ... الخ . كيف بنا اذا كانت المبادىء المطروحة والشعارات كبيرة لأنها سماوية تريد إقامة رسالة السماء في الارض في ظروف وملابسات قاسية وبالغة التعقيد ؟؟ واذا نظرنا الى معادلة الدين والسياسة فهناك من يملك ناصية العلم والفقه الديني العميق ، ولكن هذا غير كاف إذ لا بد من أن يكون رصيده واسعا في فهم الواقع وفك رموز تعقيداته والقدرة على التوصيف والتحليل والوصول الى التشخيص الموضوعي الصحيح   ، ثم بعد ذلك تأتي القدرة على تفعيل النص الديني في الواقع بطريق...