التخطي إلى المحتوى الرئيسي

#احذروا_المتسلقين !!

احذروا المتسلقين

لا يخشى على أية قضية محقة من أصحابها الحقيقيين ، من الذين انتموا اليها واستعدوا للدفاع عنها ، او من الذين ضحوا من أجلها بغال أو نفيس من اعمارهم او أبنائهم أو حتى أموالهم وما زالوا في ميدان التضحية وعلى استعداد لتقديم ما هو مطلوب منهم دون تراجع أو استكانة أو ضعف .. لم يبدلوا ولم يغيروا وبقوا على عهدهم مع قضيتهم ثابتين .. لا يُخشى من هؤلاء ، تماما كما لا يُخشى من الأم الحقيقية التي رفضف قسمة ابنها نصفين بينها وبين الام المدعية .
مشكلتنا الحقيقية مع هذه الام المدعية ، مع الذين يجيدون التسلق على رقاب الاصحاب الحقيقيين للقضية ، وان التاريخ يقول لنا بان كل قضية لها متسلقون وكثيرا ما يصلون لاعلى الهرم وللمسك برقبة القضية ، هناك مثلا طابورعريض من المتسلقين الجزائريين أيام الاستعمار الفرنسي ، وهؤلاء عفت عنهم الثورة تماما كما عفى رسول الله عن اهل مكة وقال لهم اذهبوا فانتم الطلقاء ، ولكن الفرق أن كثيرا من طلقاء الجزائر تسلقوا بسرعة البرق وأمسكوا بمفاصل حساسة في البلد . وهناك طلقاء اليوم في كل بلد عربي متنفذون ..
المتسلقون يجيدون التلون ، بسرعة يغير لغته فيتناغم مع الذي يوصله الى هدفه ، مستعد ليس فقط لتغيير المظهر بل مستعد لتفصيل نفسه على هوى من يحقق له مصلحته ومبتغاه .
المتسلقون يجيدون تبديل مبادئهم ومواقفهم وآراءهم ، يشلحون كل شيء كما يشلحون ملابسهم ، مستعدون للتعري كاملا ولباس ما يطلب منهم وفق متطلبات المانح للمال والمنصب والمايكروفون والاضواء الاعلامية والمانح لدرجات القبول والترقي والرضى والسير السريع في سباق المتسلقين نحو القمم والدرجات العلى التي سقفها رضى الاحتلال ومباركته لهذا السباق .
المتسلقون شعارهم الغاية تبرر الوسيلة فغاياتهم العظيمة لا يمكن ان يقف في طريقها خلق ذميم او وسيلة قميئة ، فالتبرير جاهز لاي تجاوز او فساد او سحق للاخرين ، طالما ان الهدف نبيل وهو الارتقاء والترقي لشخصية فذة لا يشق لها غبار وهي شخصية حضرته العظيمة .
المتسلقون شعاريتون اي يجيدون طرز الشعار المطلوب وفق متطلبات المرحلة ، فالشعار من خلفية وطنية او دينية او حتى لو كانت بوذية فهو جاهز للاطلاق كصاروخ يحمل قمر صناعي ، يتوهج يكاد برقه يخطف الابصار ، ويجيد المتسلق بشعاره الذي يزين به خطابه سرقة مشاعر الناس والتلاعب بها وأخذها الى حيث يريد ، يدغدغ العواطف تارة ويضرب بافكار تبدو انها عميقة رغم انها عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع . فهم يجيدون الخطاب المشتعل بشعارات ملتهبة تلهب قلوب الناس وتخطف بصيرتهم قبل ان تخطف ابصارهم ، ونحن العرب هذا الايام يعمينا سحر الكلمة عن رؤية الواقع .. فالزعيم الغربي مثلا هذه الايام على الغالب يعرض بضاعته ببرنامج عملي واضح ويعرض ما تم انجازه على أرض الواقع وما تبقى في جدول زمني يعلن التزامه به .. العربي يكتفي خبط شعار بجرس موسيقي عالي النبرة ، وقد يزين قوله بآية من كتاب الله او حديث شريف ويسند ذلك بقول عالم لم يسمع من يخطب به من قبل .
المتسلقون يضربون قلوب الناس بالاحترام والتبجيل للشهداء والاسرى والدعاء العميق بالشفاء التام للجرحى ويبجلون رموز شعبهم كي يبدوا انهم في غاية الانتماء لهذه الروح العالية ، لا تخلوا خطاباتهم من هذا العرض الجميل لسيمفونية ثابتة لا تتخطى رقاب السابقين بينما هو مستعد لسحق كل من يقتدي أثرهم او يريد ان يعيد مجدهم من جديد .
المتسلقون يتبارزون في استعراض عضلاتهم اللغوية والبلاغية ، يرتجلون ويجلجلون ويزلزلون القاعات والساحات العامة ، يجيدون صناعة ظاهرة صوتية فيعلو موج صوتهم عاليا ثم يخفضونه فجأة لدفع الناس نحو التصفيق ، يعرف القول الذي يطرب قلوب الناس واللحن الذي تستقبله آذانهم ، ويصل معه الى معادلة : انا اقول لكم ما تحبون وتتمنون وأنتم من جانبكم تصفقون وتهللون وتكبرون ..
المتسلقون يجيدون التمثيل فلهم في كل مقام مقال ، وكما ان السنتهم جاهزة لتندلق بالكلام المعسول فان عيونهم جاهزة لذرف الدموع ووجوههم جاهزة لتصنع لوحة في الفن التشكيلي الذي يضيع المشاهد في جمال روعته ، فهو مخرج درامي جاهز على اخراج المشهد المطلوب متكامل العناصر تماما كالعملاء العصافير في زنازين الاحتلال ، الفرق ان ذاك ممثل درامي للمحتل وهذا ممثل درامي لكل ما يسهم في دوام المحتل .
لقد بات المتسلقون اليوم يجيدون كل هذا .. فلنحذر المتسلقين !!!

تعليقات

  1. غير معرفديسمبر 24, 2018

    كثرة المتسلقين تحتم التحذير من أشدهم تناقضا وتلونا، مثل من يقول إن التطبيع جريمة وخيانة وهو يمدح حاكما يسمح برفع العلم الصهيوني في عاصمة دولته، أو يخون من وقع على اتفاقية أوسلو وهو يبجل أحد الموافقين على المبادرة العربية لبيع فلسطين، أو يقول إن الصهاينة أعداء أو حتى إرهابيون وهو يتحالف مع أكبر داعميهم بل يشتري منه أسلحة جربوها على الفلسطينيين.

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علو ورفع الهمةج2

خطبة الجمعة علو الهمة 2

ليل غزة الفسفوري ..مدونة وليد الهودلي

  حين يكتب الهودلي لغزة تحت نيران الغزاة، فإنه يتطهر بالرصاص   المصبوب  كانت روحه هناك تتمثل أصوات القصف على قلوب الأطفال  كان يريد أن يرفع كفيه إلى سماء غزة ليكف شر المغيرين، طائراتهم المعبأة بالحقد والبترول العربي كانت تشق سماء المعتقل في بئر السبع، قبل توغلها وتغوّلها على ليل غزة، القلم يكتب والشفاه تتمتم بالدعاء  والله - سبحانه - يستجيب لقلب لا يكفّ عن الوجيب حدث ذلك عام 2008  .    اضغط هنا

الشيخ أحمد ياسين :شيخ الدعوة وشيخ السياسة ..

الشهيدالشيخ احمد ياسين            هناك من يتقن الدعوة والتنظير الى الفكرة التي يؤمن بها ولكنه في معترك الواقع والولوج الى ميدان فن الممكن والسياسة وفق تقديراتها ومآلاتها وتقدير مصالح الناس وامكانات الوصول للاهداف واحالة الشعار الى حلول ونجاحات يجد نفسه في عالم أخر لا يتقن فنونه ، اطلاق الشعار لا يحتاج الا الى مهارة لغوية سجعية وصوت رنان ، بينما احالته الى أن يصبح واقعا ملموسا فيحتاج الى قيادة رشيدة حكيمة ذات خبرة غزيرة وتأهيل عال ، تجيد رسم الخطط والبرامج وقادرة على تسخير الامكانات وتوظيف القدرات والمثابرة والجلد ... الخ . كيف بنا اذا كانت المبادىء المطروحة والشعارات كبيرة لأنها سماوية تريد إقامة رسالة السماء في الارض في ظروف وملابسات قاسية وبالغة التعقيد ؟؟ واذا نظرنا الى معادلة الدين والسياسة فهناك من يملك ناصية العلم والفقه الديني العميق ، ولكن هذا غير كاف إذ لا بد من أن يكون رصيده واسعا في فهم الواقع وفك رموز تعقيداته والقدرة على التوصيف والتحليل والوصول الى التشخيص الموضوعي الصحيح   ، ثم بعد ذلك تأتي القدرة على تفعيل النص الديني في الواقع بطريق...