التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السياسة بالابيض والاسود

#السياسة_بالابيض_والأسود !!

تناول القضايا السياسية هذه الايام على الغالب يذهب الى التصنيف اما أبيض أو أسود خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ، ينحاز الناس خاصة من هم في مرحلة المراهقة الفكرية والسياسية بقوة مع أو ضد وعلى قاعدة عنزة ولو طارت ، ويذهبون الى التقديس والتعلق القلبي الكامل عشقا وحبا لمن يمثل وجهته وينطلقون من عكس القاعدة تماما : " اعرف الحق تعرف أهله " .
فالفرز اولا هل هو معي او مع حزبي وجماعتي أم ضدي وضد جماعتي ثم نكمل بعد ذلك دون النظر في ما صدر عنه من قول او فعل او موقف سياسي .. وافقناه وأنزلنا عليه بركاتنا وكل خيرات مدحنا وتبجيلنا وجعلناه نورا وشمسا تضيء العالمين وتبدد ظلمات الجهل ومن خالفنا من رأي ، لتجعله نهارا ساطعا كالشمس رابعة النهار .. والويل ثم الويل ان كان من معسكر مخالف عندئذ اسقطنا عليه كل تقريعاتنا وأخرجنا له من قاموسنا الاسود ما يليق به ، أطلقنا عليه وابل رصاصنا وجعلنا منه شيطانا رجيما ليس له الا ان نتعوذ منه ومن آرائه الظلامية الضالة المضللة .
من المصيبة بمكان أن نعتقد ان هناك عصمة في السياسة وهناك من لا يخطىء أبدا فهو الملهم الموهوب الذي يجيد اللعب ويتقن التهديف مائة بالمائة كما وصف عالم أحد الامراء على اعظم منبر ديني بان هذا الامير " المحدَّث - بفتح الدال - الملهم " لم يبق الا ان يصفه بانه وحي يوحى ، وحتى ان لم نستمع الى مثل هذا الوصف الفاضح فاننا بالممارسة والفعل نجد ذلك ، نجد الزعيم على أنه فوق التفكير البشري عند زمرة من العلماء والمطبلين من اعلاميين ومحللين ، وعلى الرغم من رؤية العالم لهذا الملهم بأنه أقل ما يقال فيه : غير ناضج سياسيا وسفيه وطائش ومتفرد ومتسلط ومتهور وهو أقرب لتحقيق مصالح من يواليهم على مصالح شعبه ، وعند النخبة التي رعاها ورفعها وجعلها على السطح هو الملهم الموهوب . هي سياسة التقديس البعيدة كل البعد عن النقد والتصويب ورؤية الصواب من الخطأ .
على الساحة العربية هناك من ينظر الى اردوغان مثلا نظرة وردية جميلة لا تشوبها شائبة ولا يمكن ان يقع في أي خلل أو أن لا تحالفه قمة الصوابية في موقف سياسي ما .. وكذلك ينظر الى السياسة التركية هذه الايام ، وهناك العكس تماما لا يرون فيه الا حلف شمال الاطلسي ويقيم علاقات رسمية مع دولة الاحتلال ... الخ فهو في نظرهم شيطان رجيم .. وعلى الساحة الداخلية في المواقف السياسية هناك من لا يرى الامور الا بعد ان يلبس نظارة زهرية مثل نظارة الاطفال ليرى المشهد الوردي لمن يحبهم ، ويلبس السوداء ليرى المشهد الاسود لمن لا يحبهم فلا يرى فيهم الا قبحا وسوادا ولا يرى لاي رأي سياسي من آرائهم اية وجاهة او قبول .
والنظر في التاريخ ايضا يمرره ويمرر علماؤه وحكامه عبر هذه النظارة او تلك ، وكان آخر ما سمعت عن لقاء ثقافي تناول شخصية العالم ابن تيمية وكان لاحدهم ان يلبس نظارته السوداء فلا يرى اي خير عند هذا العالم بل الشر المطلق .. اوصل بنا الى هذا الحد في النظر الثنائي الحاد ؟؟
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لا تكاد تجد من المواقف والاراء الا ما تناولته العيون بالنظارة الوردية او العكس تماما بالنظارة السوداء ، وعند رؤيتهم لموقف موضوعي يرى بقية الالوان ، يؤيد في امور وينتقد في امور اخرى لذات الشخص او الجهة او الدولة او الجماعة فتجدهم يذهبون الى النقيض بطريقة خالية من اي تفكير علمي او موضوعي .. ان انتقدت دولة تجدهم يسارعون : لماذا لم تنتقد الدولة التي لا تروق لهم .. واذا عارضت قتل شخص بطريقة مروعة كما حدث مع خاشقجي فانك عندهم أدرت الظهر لملايين الضحايا التي عليك ان تتحدث عنها قبل حديثك عن هذه الحادثة !! .
السياسة ليست لسان يجيد دروب الكلام ولا قلم يجيد صروف اللغة وانشاء بنيانها إنما هي علم واسع يعتمد قواعد واسس ومعرفة واسعة وغوص في تجارب الاخرين وادراك شامل لتفاصيل الواقع وتقدير المصالح وفن الاستفادة من الممكن مع المحافظة على المبدأ .
اننا بأشد الحاجة الى الموضوعية ، أن نشخص الامور كما هي ثم نطرح المعالجات التي نراها الاقرب الى الصواب والتي قد نصيب فيها وقد نخطىء .. نرى الصواب الذي يحتمل الخطأ وعند مخالفينا الخطأ الذي يحتمل الصواب ولا يوجد هناك من هو مصيب دائما أو على الخطأ دائما بل كلنا نصيب ونخطىء ، أفراد ودول وعلماء ومفكرين وحركات وأحزاب ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علو ورفع الهمةج2

خطبة الجمعة علو الهمة 2

ليل غزة الفسفوري ..مدونة وليد الهودلي

  حين يكتب الهودلي لغزة تحت نيران الغزاة، فإنه يتطهر بالرصاص   المصبوب  كانت روحه هناك تتمثل أصوات القصف على قلوب الأطفال  كان يريد أن يرفع كفيه إلى سماء غزة ليكف شر المغيرين، طائراتهم المعبأة بالحقد والبترول العربي كانت تشق سماء المعتقل في بئر السبع، قبل توغلها وتغوّلها على ليل غزة، القلم يكتب والشفاه تتمتم بالدعاء  والله - سبحانه - يستجيب لقلب لا يكفّ عن الوجيب حدث ذلك عام 2008  .    اضغط هنا

الشيخ أحمد ياسين :شيخ الدعوة وشيخ السياسة ..

الشهيدالشيخ احمد ياسين            هناك من يتقن الدعوة والتنظير الى الفكرة التي يؤمن بها ولكنه في معترك الواقع والولوج الى ميدان فن الممكن والسياسة وفق تقديراتها ومآلاتها وتقدير مصالح الناس وامكانات الوصول للاهداف واحالة الشعار الى حلول ونجاحات يجد نفسه في عالم أخر لا يتقن فنونه ، اطلاق الشعار لا يحتاج الا الى مهارة لغوية سجعية وصوت رنان ، بينما احالته الى أن يصبح واقعا ملموسا فيحتاج الى قيادة رشيدة حكيمة ذات خبرة غزيرة وتأهيل عال ، تجيد رسم الخطط والبرامج وقادرة على تسخير الامكانات وتوظيف القدرات والمثابرة والجلد ... الخ . كيف بنا اذا كانت المبادىء المطروحة والشعارات كبيرة لأنها سماوية تريد إقامة رسالة السماء في الارض في ظروف وملابسات قاسية وبالغة التعقيد ؟؟ واذا نظرنا الى معادلة الدين والسياسة فهناك من يملك ناصية العلم والفقه الديني العميق ، ولكن هذا غير كاف إذ لا بد من أن يكون رصيده واسعا في فهم الواقع وفك رموز تعقيداته والقدرة على التوصيف والتحليل والوصول الى التشخيص الموضوعي الصحيح   ، ثم بعد ذلك تأتي القدرة على تفعيل النص الديني في الواقع بطريق...