التخطي إلى المحتوى الرئيسي

#اشكالية_الخطاب_الديني_عندما_تدخل_معترك_السياسة ؟!

الخطاب الديني والسياسة

لا يمكن فصل الدين عن السياسة ، وهذا الفصل أصبح غير وارد لا دينيا ولا سياسيا ولا واقعيا، فلا السياسي المحض قادر على النأي بنفسه عن الدين كعامل مؤثر في المعادلة السياسية ، ولا المتدين المحض قادر على النأي بنفسه عن السياسة وتداعياتها وتأثيرها في المجتمعات العربية والاسلامية لان الدين مكون اساسي من مكوناتها ان لم يكن المكون الاكبر .. والسبب في ذلك ان هناك تداخل ملموس في واقعنا ووجداننا وتفكيرنا للدين والسياسة ، فالدين مطلوب منه أن ينتج مجتمعا صالحا ، فاذا كانت السياسة في المجتمع معطوبة ويقودها أناس فاسدون فلا معنى للمجتمع الصالح الذي نتحدث عنه . وكذلك لا يعقل أن ينتج الدين نتاجه في المجال الاخلاقي وفي كل جوانب السلوك ما عدا الجانب السياسي والسلوك السياسي لقادة البلد .
وعلى هذه المعادلة نجد ألوانا من الخطاب الديني :
• نجد من الخطابات الدينية ما تبتعد عن السياسة وتعتبر نفسها أنها أنقى وأطهر من أن تلوث خطابها بملوثات السياسة ، تحافظ على طهرها وتبتعد عن الجدل الدائر والمناكفات الساخنة بين خصومها ، ولا ترى مناسبا أن ينزل الدين من عليائه الى مستوى العامة من الناس والسياسيين وأن يدخل معتركا يلحق بصورته النقية الضرر ويضعه تحت مطرقة وسندان الصواب والخطأ .. يفضل أن يبقى في السليم وفي المساحة التي لا يختلف عليها أحد .
• ونجد من الخطابات الدينية بالمقابل من تقحم نفسها في السياسة بطريقة فجة وعلى قاعدة الحلال والحرام بحيث تعطي رأيها الديني حكم الدين نفسه وتسقط عليه ذات القداسة ، وذلك من أجل أن تنجح في الانتصار له وترويجه وادخاله الى عقول الناس من البوابة الدينية . هنا يصعب التراجع عن اجتهاداتها حالة اكتشاف الخطأ فيها فتأخذها العزة بالاثم وتستمر في حربها على خصومها على قاعدة عنزة ولو طارت . ولا تبين للناس بان عملها السياسي في دائرة الاجتهاد البشري وانما الدين خطابها وخطابها هو الدين .
• وهناك خطابات ثالثة أعتقد أن جل الحركات الاسلامية العاملة في الميدان الفلسطيني قد وصلت اليه ، افكار وخطابات تسترشد في الدين وهو يشكل مرجعيتها في الاجتهاد، وتراعي المبادىء الدينية العامة ومقاصده السامية ولكنها في مساحة السياسة للعقل والخبرة البشرية دورهما الكبيران ،وبالتالي وطالما انه جهد بشري فالصواب والخطأ واردان ، تبذل قصارى جهدها لاصابة الموقف الذي تتحقق فيه غايات الدين وروحه ، وفي نفس الوقت تتحقق فيه مصالح الناس ، وهذه معادلة ليست سهلة وانما يتقنها اهل العلم وأهل الدراية في واقع الناس وقدراتهم وامكاناتهم المادية والمعنوية وأهل الخبرة والتجربة ، فكلما ازداد هؤلاء علما في الدين وعلما في دروب السياسة وتفاصيل الحياة وخبرة في العمل السياسي وقدرة على تقدير المصالح وكذلك معرفة العدو وتوجهاته ومقدراته ، كلما أصبحوا على قدرة عالية في تقدير الموقف والخروج بالاجتهاد الرشيد .
• وعلى هذا يجب ان يكون الخطاب الديني متوازنا وعلى فهم ووعي بالسياسة واحوال الناس حتى اذا اسقط النص الديني كان اسقاطا رشيدا ومتوازنا وفيه تحقيق تام لمقاصد الدين ومصالح الناس في آن واحد .
ولا بد من الانتباه أن هذا الخطاب الواعي دينيا وسياسيا يتطور ولا يقف عند حد فمن معترك العمل السياسي والتقييم الدائم لما سبق من اجتهادات وشجاعة الاعتراف بالخطأ والقدرة على التصويب واتقان التفكير الجماعي واتقان مهارة الشورى والاستفادة من تجارب الاخرين الناجح منها والفاشل ، كل هذا يضع اصحاب هذا الخطاب في حالة تطور دائم ، بينما الاخرون سواء أصاحب القداسة الدينية المسحوب على تفكيرهم السياسي أو أصحاب القداسة الدينية في الناي بالنفس عن المعترك السياسي فانهم جامدون لا يتطورون .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

علو ورفع الهمةج2

خطبة الجمعة علو الهمة 2

ليل غزة الفسفوري ..مدونة وليد الهودلي

  حين يكتب الهودلي لغزة تحت نيران الغزاة، فإنه يتطهر بالرصاص   المصبوب  كانت روحه هناك تتمثل أصوات القصف على قلوب الأطفال  كان يريد أن يرفع كفيه إلى سماء غزة ليكف شر المغيرين، طائراتهم المعبأة بالحقد والبترول العربي كانت تشق سماء المعتقل في بئر السبع، قبل توغلها وتغوّلها على ليل غزة، القلم يكتب والشفاه تتمتم بالدعاء  والله - سبحانه - يستجيب لقلب لا يكفّ عن الوجيب حدث ذلك عام 2008  .    اضغط هنا

الشيخ أحمد ياسين :شيخ الدعوة وشيخ السياسة ..

الشهيدالشيخ احمد ياسين            هناك من يتقن الدعوة والتنظير الى الفكرة التي يؤمن بها ولكنه في معترك الواقع والولوج الى ميدان فن الممكن والسياسة وفق تقديراتها ومآلاتها وتقدير مصالح الناس وامكانات الوصول للاهداف واحالة الشعار الى حلول ونجاحات يجد نفسه في عالم أخر لا يتقن فنونه ، اطلاق الشعار لا يحتاج الا الى مهارة لغوية سجعية وصوت رنان ، بينما احالته الى أن يصبح واقعا ملموسا فيحتاج الى قيادة رشيدة حكيمة ذات خبرة غزيرة وتأهيل عال ، تجيد رسم الخطط والبرامج وقادرة على تسخير الامكانات وتوظيف القدرات والمثابرة والجلد ... الخ . كيف بنا اذا كانت المبادىء المطروحة والشعارات كبيرة لأنها سماوية تريد إقامة رسالة السماء في الارض في ظروف وملابسات قاسية وبالغة التعقيد ؟؟ واذا نظرنا الى معادلة الدين والسياسة فهناك من يملك ناصية العلم والفقه الديني العميق ، ولكن هذا غير كاف إذ لا بد من أن يكون رصيده واسعا في فهم الواقع وفك رموز تعقيداته والقدرة على التوصيف والتحليل والوصول الى التشخيص الموضوعي الصحيح   ، ثم بعد ذلك تأتي القدرة على تفعيل النص الديني في الواقع بطريق...