التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الشيخ قاسم في ذمة الله..كان نموذجا رائعا في الحرب على الانقسام

 
ألقى خطبة الوداع ورحل .. أطفأ الحريق كعادته ، ونزع فتيل الخلاف الذي يغذيه من لا يتقن أدب الاختلاف ، عالج أسباب النزاع في بلد يشتد فيه الصراع .. وكانت كلماته الصادقة تخرج مع الم عميق يضرب شرايين قلبه فتنزف دما حرا متلفعا بنور الحق وصدق المقال ..  كانت طريقته البحث عن الحلول وإعادة العقول الى جادة صوابها بكل عقلانية وتجرد .. لم تدفعه نزوات البعض الى أن ينحاز مع فريق ضد آخر .. كان متجليا فوق الخلاف ، متألقا بشرحه عن القصاص الذي يتوعد به كل من يشعل نار الفتنة ويدق طبول الحرب .. ما أسهل الانحياز والانسياق في ريح العصبية التي تدمر النسيج الطيب للشعب الفلسطيني الاصيل في كل ربوع الوطن .. أما مطاردة هذه العصبية وتضييق شرايينها فإن ذلك من مهام الحكماء والراسخين في العلم أمثال الشيخ قاسم .. ما أحوجنا لتعميم هذا النموذج الذي عليه ان ينفث من مدافع اطفائيته ما يطفىء نيران الانقسام .. ما يجري على تراب دير الغصون الطاهر هو ذاته الذي يجري في دماء الفلسطينيين كافة هذه الايام .. والمطلوب ان يتوفر نموذجا من امثال الشيخ قاسم في كل حي وقرية ومخيم، لتعميم هذه الثقافة ، واعلان الحرب على كل تداعيات الانقسام وأسبابه، والذي كان بمثابة النكبة التي صنعناها بأيدينا على خلاف النكبة الاولى التي حلت بنا  .

ولا غرابة في ان تقوم هذه الشخصية بهذا الدور العظيم إذ أنه :

أولا : كانت نشأته نشأة ثورية بامتياز وهذا جعله في مقدمة صفوف النضال الوطني فمنذ بداية شبابه وعندما كان طالبا جامعيا وعند اشتداد الحرب والعدوان على الفلسطينين بعد الاجتياح الصهيوني لبيروت وبلوغ العدوان ذروته القصوى ترك الشيخ قاسم مقاعد العلم وذهب يتبوأ لنفسه مكانا في خندق المقاومة .. حمل السلاح محاربا حيث كان الواجب يقتضي ذلك ، انتظم في صفوف القطاع الغربي وكان له صولات وجولات ثم دخل فلسطين ليعمل في خلية سرية ويضرب في العمق ..

ثانيا : قضى في السجن ما يزيد عن عشر سنوات كان فيها رائدا للثقافة والعلم ، تفقه في الدين وجمع بين فقه الدين وفقه الحياة فكان محللا سياسيا وفي نفس الوقت كان ذو روحانية عالية تمكنه من لعب دور هام في الميدان الثقافي والتربوي داخل السجن فكان خير قدوة يجد فيها الشباب ملاذا لهم ومدرسة متكاملة يرتفعون بها في الميدان الروحي المعنوي الذي يمكنهم في الارتقاء العالي في الميدان الفكري والثقافي وهذا الجمع عملة نادرة يجب ان ننتبه لها جيدا ، إذ قد يرتقي المرء في ميدان الفكر والثقافة ويتردى في ميدان الروح الذي يعكس نفسه على الخلق والسلوك فيقع في غرور العلم وقسوة القلب وبالتالي الشدة على من يختلف معه في الرأي فينقلب العلم الى نقمة بدل ان يكون نعمة . وقد يرتقي في ميدان الروح دون الفكر فيكون درويشا يعيش عالمه القلبي الخاص متلذذا بحالة العرفان التي وصل اليها وناحرا لدوره الثقافي والاجتماعي .. كان الشيخ قاسم جامعا للأمرين وفعالا على اعلى الدرجات بما تمكنه روحه العالية من طاقة عالية تجعله بمثابة عدة رجال في رجل واحد دون أن يطغى جانب على جانب ..

ثالثا : وانعكس ذلك تماما عند خروجه من السجن ليقاوم كل اغراءات الرواتب والمراتب ، كان الذي يستهويه شيء واحد ، فقط المكان الذي بامكانه ان يلعب فيه دورا ثقافيا واجتماعيا وتربويا هاما : يعمل على ثقافة ثورية لمجتمع يرزح تحت احتلال طال أمده وهو بأشد الحاجة الى أن تبقى البوصلة الثقافية موحدة القبلة : قبلتها الاحتلال مهما حاول المرجفون اللعب في هذه البوصلة . واجتماعيا حيث يمثل النموذج الديني الرائع بوسطية الفكر والاسوة الحسنة والنموذج الوحدوي الذي يجمع الناس على كلمة سواء ويعالج كل ما يحاول ان يهتك نسيج مجتمع لا ينبغي له الا ان يبقى متماسكا قويا مستعصيا على كل محاولات الاختراق . وتربويا يعمل بصمت ونفس طويل إذ ان الخطبة التي كان يمتلك ناصيتها بكل حنكة واقتدار يعلم تماما بأنها مجرد تتويج للعملية التربوية التي يقوم بها بصمت على مدار الساعة .. لم يجد لنفسه مكانا يمكنه من كل هذا الفعل العظيم المتكامل والذي ينتج الشخصية الفلسطينية المطلوبة في هذا الزمان الحساس في وظيفة عالية المقام فيغادر دير الغصون الى حيث الاضواء وعز السلطان وله من التاريخ النضالي ما يمكنه من أفضل المقامات ، ولكنه أصر على اختيار المكان الصحيح ، مكان القدوة الحسنة متكاملة الادوار ، أصر على أن يكون إمام مسجد في دير الغصون : معلما ومربيا وخطيبا مع درايته التامة بما آلت اليه وظيفة الامام في هذه البلاد من قلة الراتب والزهد القصري الذي يوضع به الامام ، اختار الفقر مع الدور الاهم على الغنى الذي يصاحبه فقدان الوزن ، اختار صناعة الرجال على صناعة القرار الذي أصبح في بلدنا بلا رصيد ولا يساوي الحبر الذي يكتب به .. اختار على ان يركب دراجة يذهب بها الى المسجد لانه لا يجد البنزين لسيارته الفيات مائة وسبعة وعشرين التي يعرفها جيدا كل من تجاوز في عمره الخمسين لان عمرها لأربعين أي موديل 1973 . اختار هذا وهو بامكانه لو عدل في بوصلة افكاره أن يركب الجيب الفاره الذي يمخر الارض ويثير اعجاب خفيفي الوزن في عالم مزيف صنعه البعض من وحي شهوة أنستهم وجود الاحتلال ورموا بوصلة الثورة خلف ظهورهم منذ زمن طويل ..

لكل هذا ولغيره ما لم يسعفني في ذكره في هذه العجالة خاصة ذكر مؤلفاته التي اودعها في صيد الفوائد   http://www.saaid.net/book/search.php?do=all&u=%DE%C7%D3%E3+%CA%E6%DD%ED%DE+%DE%C7%D3%E3+%CE%D6%D

1   والتي انصح بنشرها من جديد ، لكل هذا نجد انه قد دفع ثمنا باهظا يدفعه للغيرة الشديدة على حالة الانقسام وحالة اللعب الاحمق في تركيبة مجتمعنا وأن المسالة لا تحتمل من الشيخ الى أن يصب فيها مدادا من قلبه وروحا من روحه وأن يكرس لها كل وقته وجهده فالنائحة الثكلى تختلف كليا عن النائحة المستأجرة 

ما أشد حاجتنا الى أمثال الشيخ قاسم في كل مكان لتبقى الصورة واضحة ولنعرف اذا نظرنا اليهم أن الحق أبلج وأن هناك في هذا الشعب من ما زال  يهدي الناس الى طريق الله المستقيم بكل وعي ووسطية وحب وتجميع للصفوف ورد للقاصية ممن ابتعدوا عن الصف ردا جميلا .. هؤلاء كالنخل السامق يرميهم البعض بالحجر فيرمونهم بالثمر .. رحمك الله حبيبنا وشيخنا وابقى الله علمك وروحك في عروقنا لان شعبنا في هذه الظروف الحالكة في اشد الحاجة الى هذه الروح العالية . 

       

    

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الجرائم الإلكترونية: مسرحية دوت كوم ج (1)

مسرحية دوت كم.            مسرحية  من تأليف الاديب وليد الهودلي وبالتعاون بين مدرسة عزيز شاهين رام الله ومركز بيت المقدس للأدب وشرطة رام الله بتمويل من المؤسسة الالمانية حيث تم تدريب عدد من الطالبات  المسرحية تدور حول الجرائم الالكترونية التي يقع فيها كثير من ابناءنا وبناتنا تحت الابتزاز بعد جرهم لمربع يخجلون من فضحه 

مسرحية دوت كم ج٣

  مسرحية دوت كم.       مسرحية قام بتأديتها عدد من طالبات بنات مدرسة عزيز شاهين في رام الله فلسطين بهدف التوعية من الوقوع في الابتزاز الالكتروني 

#حتى_نكون_أمناء_مع_أسرانا .. .... لنعرف_ماذا_يريدون_منا_؟

لنكون امناء مع اسرانا يجدر بنا بداية ان نعاين جيدا صنوف العذاب التي طالت ريعان شباب اسرى شاخوا في السجن ، قضوا عدة عقود . وهذه لا يجدر بنا ان نمر بها مرور الكرام إذ يوم في السجن كالف مما نعد خارجه ، أسرانا وأسيراتنا في مواجهة تدمي القلوب والارواح على مدار الاربع وعشرين ساعة ، ظهورهم مكشوفة أمام سياط السجان ، يفاجئهم بلسعها في اية لحظة تتحرك فيها ساديته ، ياتيهم التفتيش في الهزع الاخير من الليل كانه الموت ينقض على أرواحهم ، يجرب أدوية صناع أدويتهم على الاسرى المرضى كأنهم مختبر تجارب ، يلقي في عزله قامات شامخة من أبطال فلسطين ، يلقي بظلامه القاتل على ارواح أسيراتنا النضرة دونما لحظة رحمة ، أطفالنا يرتعبون من خشخشة مفاتيح زنازينهم ، يترقبون موتا ياتيهم من كل مكان ، السجون اصبحت اقفاصا وزنازين وبوسطات الموت المحملة بأعز الناس وزنازين القهر وافراغ السادية المطلقة ، وعازفة الموت مدفن الاحياء سجن الرملة حيث انتشار المرض والتدريب على التعايش معه بعد تبدد أمل الشفاء في غيومهم الملبدة . وفي يوم الاسير تكثر الوقفات والكلمات وتلتهب المشاعر ويُصدح بالشعارات في المسيرات والاعتصامات ...